الأحد، 20 يوليو 2014

عمي الطيب


بقلم : بكوش محمد السعيد 
الأحداث و الشخصيات المذكورة في هذه القصة حقيقية ...
عمي الطيب ليس شخصية اعتباطية وهمية ,,, هو أحد أبناء هذا الشعب المسحوق ... و أحد المبدعين المهمشين
- في احدى الليالي الصيفية المقمرة جلست مع عمي الطيب عند ساحة " الثورة " تحت شجرة الفلين العملاقة التي تتوسط الركن الشمالي منها ... كانت الانارة ضعيف و كان السكون يملء المكان
أخذ عمي الطيب نفسا من سيجارته " الملبورور " و نظر إلي و قال :
كانت فرحتي عارمة ... لقد كنت أدرك من زمان أن البلد لن ينسى أفضالي
صحيح ان التكريم جاء متأخرا لكن مسؤولي بلدي لم ينسوني .
كور عمي الطيب قبظته ثم اردف قائلا :
لم أرتد البذلة و الكرفطتة منذ زمان .. حتى مفيدة زوجتي ضحكت من مظهري ,,, لكنه تكريم رسمي يا موح و انت تعلم يجب ان ترتدي البذلة ..
ثم تنهد عمي طيب و ألقى عقب سيجارته و رحل تاركا ورائه صمتا مهيبا .
.......
و عمي الطيب أستاذ أدب عربي و من الكتاب الأوائل , الذين كرسوا انفسهم للكتابة و الابداع .
و بما أن قلم عمي الطيب كان " قبيحا " فقد كان مصير كتاباته و مقالاته الرمي في زبالات دور التحرير و النشر
تحضرني حادثة قديمة عندما وقف عمار وسط ساحة الثورة " الكور " ايام التسعينات و صرخ باعلى صوته و قال : يسقط النظام ,,, تسقط الديكتاتورية . لقد كان ذلك التصرف لوحده كفيلا بالحكم على قلم عمي الطيب بالاعدام
عندما دخل عمي الطيب قاعة التكريم دمعت عيناه و ارتعدت فرائسه و تأججت عواطفه , يا الله هل كل هذا من أجلي .. ثم توجه من توه الى الصف الأول .
عندما جلس عمي الطيب تقدم اليه شاب أنيق المظهر و الهندام ثم نظر الى عمي الطيب ببذلته القديمة البالية و تعابير وجهه المنهكة و قال له :
- معذرة هذه للمسؤولين
-لكنها فارغة
- يأتون متأخرين
انتقل عمي الطيب للصف الثاني فلحقه الشاب :
- هذه للممولين و الثالث لرجال الاعلام , الرابع لأعضاء الهيئة الشرفية الخامس لممثلي الأحزاب , السادس لرؤساء الجمعيات , يمكنك الجلوس في الصف السابع .
بعد ساعتين من التأخير ,, حضر المسؤولون و بدأ الحفل
تكلم المقدم عن مناقب رئيس الجمهورية و عن انجاواته و مجهوداته في مجال الادب و الثقافة و الفن ثم عرج في حديثه عن المسؤولين و دورهم في بناء البلد و شكرهم على وقتهم الثمين و حضورهم المشرف , ثم شكر وسائل الإعلام و خص بالذكر قناة النهار . شكر الممولين و أفضالهم في تنمية اقتصاد البلد و قبل أن ينسى أشاد بالحزب الفلاني و الجمعية العلانية و نظرا لضيق الوقت ذكر بنوع من الاختصار عمي الطيب .
بعد انتهاء الحفل و توزيع الجوائز على المسؤولين و الممولين و رجال الاعمال و الهيئة الشرفية و ممثلي الاحزاب و الجمعيات . سلم أحد المسؤولين على عمي الطيب و ربت على كتفه و قال :
- نشكر انجازاتك يا مبدع
..... توفي عمي الطيب بعد جلوسي معه بأيام ... كانت كل الصحف تنعي موته ...
عندما حملت جريدة الشروق وجدت عنوانا كتب بالخط العريض :
رحيل المبدع الطيب فرحات .. تذكرت عندها قصة جميلة ذكرها لي عمي الطيب جمعته بهذه الصحيفة ربما أحدثكم عنها لاحقا .
رحم الله عمي الطيب و رحم كل المبدعين الذين رحلو بصمت

لقاء 2

بقلم بكوش محمد سعيد


كنت أتمشى معها في مساء يوم ممطر ... في ذلك الطريق الطويل الذي يربط شارع سان جون بباب القنطرة ... و قد كنا متلاصقين نستمد الدفئ يتلذذ من جسدينا المرتججفين .
وكانت نسائم الشتاء الباردة و أمطاره كفيلين بجعلنا محشورين تحت مطاريتي القديمة البالية التي احتفظ بها منذ سنتي الجامعية الأولى .
كنت انظر الى انفها الجميل المحمر و هي تضع يدها في جيب معطفي الكشميري الطويل .
أذكر جيدا أنها كانت تحدثني عن بابلو نيرودا و جوزيه ساراماغو و أوجين أونيل وكنت أستمع لها كتلميذ صغير في طوره الابتدائي .
قبل نهاية الشارع اشتد سقوط المطر و بدأ الرعد بالزئير .. و كم كنت اجد متعة مع كل ضربة رعد عندما كانت تصرخ و تتمسك بي و انا اضحك من تصرفاتها الجميلة . ثم تجاهلنا السماء و اكملنا حديثنا بهدوء
كان حذائها الجلدي فاخرا و كان حذائي رديئا يخفي جوربا غمرته الثقوب و ملئته مياه المطر ,,, كان فستانها القرمزي الجميل المنحدر تحت معطفها الرمادي باهضا .... و كان سروالي الجينز القديم الرخيص شاحب اللون
كنت فقيرا و كانتهي من أسرة ثرية .
لكنني كنت أؤمن أن الحب لا يعترف بهذه الفروقات الحبى أسمى من هذا بكثير
عند زاوية الطريق حيث احتمينا . نزعت حذائي بعفوية و عصرت جوربي
كانت تنظر الي في اشمئزاز و دهشة و أدركت حينها أن تصرفي السوقي كهذا كان كفيلا لتحطيم كل لحظات الررومانسيية التي عشناها معا .
أوقفت سيارة أجرة و اعتذرت عن البقاء في أدب ... لن تعود لتكمل معي الطريق هذه المرة
لن ترد على مكالماتي .. لن تحادثني مجددا .. لن يكون هناك لقاء 3 .